الأربعاء، 29 أبريل 2015

السدل في الصلاة عند المالكية

 

 

 

 

 

 تحميل الكتاب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أدلة سنية السدل في الصلاة عند أئمتنا المالكية ..

السلام عليكم ورحمة الله .. 

هذه رسالة كتبها أحد الفضلاء يذكر فيها ما استدل به المالكية من حجج في القول بسدل اليدين في الصلاة، رغم عدم عملي بهذا لكني أثبتها هنا لكي يظهر للباحثين وجود أدلة على هذه المسألة، ولا يشغبون في محل لا يصح فيه التشغيب ..

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم).
أما بعد.. 
فإنك أيها الأخ السائل الكريم، توجهت إليَّ بسؤال عن أدلة جواز السدل في الصلاة، وعن حكمه هل هو سنة أو مندوب أو مكروه أو ماذا؟
فاعلم –نوَّر الله بصيرتي وبصيرتك بنور الفهم- أنني لست من فرسان أهل هذا الميدان، ولا من أهل الرسوخ في هذا الفن، حتى تسألني عن مثل هذه المسائل العويصة الشائكة، والتي جرى فيها الخلاف بين المذاهب والعلماء، وتناظر فيها الفقهاء، وبحثوا فيها وألفوا، وحققوا ونقحوها وأجادوا وفصلوا وحكموا، فلم يبق لنا –معشر التلاميذ المتأخرين المقلدين- إلا فهم كلامهم، واستخلاص العبر من مناقشتهم، والأخذ بتوجيهاتهم، لا الإعراض عن تآليفهم، والضرب عنها صفحاً، والاستبداد دونهم؛ لأنهم أشياخنا وأساتذتنا ومعلمونا، وهم المجتهدون الذين نقحوا النصوص والأصول، وحققوا الفروع والنقول.
ولما أردتُ أن ألبي رغبتك أيها السائل الكريم، بجمع ما تيسر لي جمعه وتأليفه، وضعتُ أمامي ما ينيف عن بعضة عشر مؤلفاً حول هذا الموضوع؛ لأنتقي منه وأنتخب منها ما له صلة بمسألتنا باختصار.
وبدأتُ بعدم صحة أخذ المقلِّدِ الدليل مباشرة من الكتاب والسنَّة وأقوال العلماء في ذلك.
وسميت هذه النقول المنتقاة، بـ (أدلة سنية السدل في الصلاة).
ومن الله أرجو الإعانة وبلوغ المأمول، وأسأله القبول.
فقلتُ: قد أجمع العلماء المحققون أن المقلد لا يصح منه أن يستدل بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية إلا بعد أخذها من الأئمة المقتدى بهم، فعدم صحة احتجاج المقلد على إثبات حكمٍ أو نفيه بآية أو حديث مجمعٌ عليه، وأمرٌ متفق عليه.
فالذي عليه الجمهور أنه تجب على من ليس فيه أهلية الاجتهاد أن يقلد أحد الأئمة المجتهدين.
وقال بعض الأئمة: لا يجوز لعامي أن يترك تقليد الأئمة الأربعة، ويأخذ الأحكام من القرآن والأحاديث؛ لأن ذلك له شروط كثيرة مبينة في الأصول، لا توجد تلك الشروط في أغلب العلماء، ولا سيما في آخر الزمان.
قال ابن عيينة: الحديث مضلَّة إلا للفقهاء، إلى آخر ما ذكره العلماء في ذلك. انظر نوازل سيدي المهدي الوزاني الكبرى والصغرى.
هذا وقد بنى الإمام مالك رضي الله عنه مذهبه على أربعة أشياء: 
الأول: آية قرآنية.
والثاني: حديث صحيح سالمٌ من المعارضة.
والثالث: إجماع أهل المدينة.
والرابع: اتفاق جمهورهم، وهو العمل.
وقد سبقت الإشارة إلى إجماع العلماء على وجوب التقليد على من ليس فيه أهلية الاجتهاد، حتى صار معلوماً من الدين بالضرورة، اهـ.
[حكم السدل في الصلاة]
أما حكم السدل في الصلاة، فقد قال عليش في فتاويه: أما بعد، فاعلم أن سدل اليدين في الصلاة ثابت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به بإجماع المسلمين، وأجمع الأئمة الأربعة على جوازه فيها، واشتهر ذلك عند مقلديهم، حتى صار كالمعلوم من الدين بالضرورة، وأنه أول وآخر فعليه صلى الله عليه وسلم.
أما الدليل على أنه أول فعليه وأمر به، فالحديث الذي أخرجه مالك رضي الله عنه في الموطأ، عن سهل بن سعد واقتصر عليه البخاري ومسلم، من قوله: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة).
ووجه دلالته أن أمرهم بالوضع المذكور دليل نص على أنهم كانوا يسدلون، وإلا كان أمراً بتحصيل الحاصل، وهو عبثٌ محالٌ على الشارع صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم بالضرورة أنهم لم يعتادوا السدل ولم يفعلوه إلا لرؤيتهم فعل الرسول صلى الله عليه وسلم إياه، وأمرهم به بقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
وأما الدليل على أنه كان آخر فعليه وأمريه صلى الله عليه وسلم، فهو استمرار عمل الصحابة والتابعين عليه، حتى قال مالك في رواية ابن القاسم في المدونة: لا أعرفه، يعني الوضع في الفريضة، إذ لا يجوز جهلهم بآخر حالي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا مخالفته؛ لملازمتهم له بضبط أحواله واتباعه فيها، فلهذا ضمَّ مالكٌ عملهم للآية المحكمة والحديث الصحيح السالم من معارضة العلم به، والإجماع، وجعل الأربعة أصول مذهبه.
وأما القبض في الفرض، فاختلفوا في كراهته وندبه وإباحته، مع اتفاقهم على ثبوت فعله والأمر به من النبي صلى الله عليه وسلم، اهـ.
وقال الإمام الشعراني في الميزان، في جواب شرذمة من البطالين يقولون: كيف تترك الآيات والأحاديث الصحيحة وتقلد الأئمة في اجتهادهم المحتمل للخطأ، ما نصه:
إن تقليد الأئمة في اجتهادهم ليس تركاً للآيات والأحاديث الصحيحة، بل هو عين التمسك والأخذ بالآيات والأحاديث الصحيحة، فإن القرآن ما وصل إلينا إلا بواسطتهم، مع كونهم أعلم ممن بعدهم بناسخه ومنسوخه، ومطلقه ومقيده، ومجمله ومبينه، ومتشابهه ومحكمه، وأسباب نزوله ومعانيه، وتأويلاته ولغاته، وسائر علومه، وتلقيهم ذلك عن التابعين المتلقين ذلك عن الصحابة المتلقين ذلك عن الشارع صلى الله عليه وسلم، المعصوم من الخطأ، الشاهد للقرون الثلاثة بالخيرية.
وكذلك الأحاديث ما وصلت إلينا إلا بواسطتهم، مع كونهم أعلم ممن بعدهم بصحيحها وحسنها وضعيفها ومرفوعها ومرسلها ومتواترها وآحادها ومعضلها وغريبها وتأويلها وتاريخها المتقدم والمتأخر، والناسخ والمنسوخ، وأسبابها ولغاتها، وسائر علومها، مع تمام ضبطهم وتحريرهم لها، وكمال إدراكهم، وقوة ديانتهم، واعتنائهم وتفرغهم، ونور بصائرهم.
فلا يخلو أمر هذه الشرذمة من أحد الشيئين: إما نسبة الجهل للأئمة المجمع على كمال علمهم، المشار إليه في أحاديث الشارع الصادق عليه الصلاة والسلام.
وإما نسبة الضلال وقلة الدين للأئمة الذين هم من خير القرون، بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم، (إنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
وقولهم أيضاً لمن قلد مالكاً مثلاً: نقول لك: قال الله تعالى أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول: قال مالك، أو ابن القاسم أو خليل أو ابن عاشر!! إلى آخره.
جوابه: أن قول المقلد: قال مالك إلخ معناه: قال مالك فاهماً من كلام الله أو من كلام رسوله، أو متمسكاً بعمل الصحابة والتابعين الفاهمين كلام الله أو كلام رسوله، أو المتأسين بفعل رسوله.
ومعنى قوله: (قال ابن القاسم) أنه نقل عن مالك ما فهمها من كلام الله إلخ، أو أنه فهمه ابن القاسم نفسه من كلام الله إلخ.
ومعنى قوله: (قال خليل) مثلاً، أنه ناقل عمن ذكر، ومالكٌ وابن القاسم مجمع على إمامتهما ومن خير القرون.
أما التارك للتقليد يقول: قال الله، أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقلاً بفهمه، مع عجزه عن ضبطِ الآية والحديث، ووصل السند، فضلاً عن معرفة ناسخه ومنسوخه، ومطلقه ومقيده، ومجمله ومبينه، وظاهره ونصه، وعامه وخاصه، وتأويله وسبب نزوله، ولغاته وسائر علومه، فانظر أيهما يقدَّم؟ قول المقلد: قال مالك الإمام بالإجماع، أو قول الجهول: قال الله تعالى قال رسول الله؟ (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
فتبين من هذا أن المشهور في مذهب مالك هو كراهة القبض في صلاة الفرض، ولاسيما والكراهة هي رواية ابن القاسم في المدونة، وعليها عمل أهل المدينة.
وفي سنن أبي داود قال: حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، قال: حدثنا حجاج، عن أبي جريح، قال: كثيراً ما رأيت عطاء يصلي سادلاً، اهـ.
قال الحفيد ابن رشد في بداية المجتهد: وسبب اختلاف العلماء في القبض في الصلاة، هو أنه وردت أحاديث صحيحة في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يذكر فيها أنه كان يقبض في صلاته، وثبت أيضاً كما في صحيح البخاري أنهم كانوا يؤمرون بالقبض فيها، فذهب بعض العلماء إلى أن القبض في الآثار التي فيها القبض هي زيادة من ثقة مقبولة، معمول بها، وذهب آخرون إلى المصير إل الآثار التي ليست فيها تلك الزيادة، لكون تلك الزيادة ليست مناسبة لأفعال الصلاة، وإنما هي من باب الاستعانة، ولذلك أجازه مالك رضي الله عنه في النفل، وكرهه في القبض، اهـ باختصار.
أما الأحاديث الواردة في القبض فليس أكثرها صحاحاً ولا حساناً ولا سالماً من الضعف، بل كلها إما بين موقوف ومضطرب وضعيف، وكل ما ورد في القبض ليس فيه خبر إلا وفيه مقال، فلا يحتج به بوجهٍ، غير حديث وائل عند مسلم، مع ما فيه من الخلاف في سنده وإرساله ومتنه، فبقي النظر فيه: هل هناك شيء يخالفه أصلاً، أو وجد ولكن دونه في المرتبة، وجب الرجوع إليه عند أهل الأصول بلا خلافٍ أعلمه.
وهنا قد عارض حديث وائل المذكور الأحاديث التي معه في القبض عند مالك أمران:
أحدهما: حديثان صحيحان، وليس فيهما ما في تلك الطرق التي في القبض من المقال.
أحد الحديثين: حديث المسيء في صلاته، قال ابن بطال في شرح البخاري: وحجة من كره ذلك، أي القبض، أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم المسيء صلاته الصلاة، ولم يذكر له القبض، نقله عن ابن القصار، ولعلهما –والله أعلم- أرادا حديث رفاعة بن رافع الذي أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين من طرق صحيحة عنه أنه كان جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فدخل المسجد، فصلى، فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال صلى الله عليه وسلم: وعليك، فارجع فصل فإنك لم تصل، قال: فرجع فجعلنا نرمق صلاته لا ندري ما يعين منها، فلما قضى صلاته فجاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال صلى الله عليه وسلم: وعليك، فارجع فإنك لم تصل، وذكر ذلك إما مرتين أو ثلاثاً، فقال الرجل: ما أدري ما عبت عليَّ من صلاتي، قال صلى الله عليه وسلم: لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله عز وجل، يغسل وجهه ويديه للمرفقين، ويمسح رأسه بيديه، ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر ويحمد الله ويمجده، ويقرأ من القرآن ما أذن الله له فيه، ثم يكبر فيركع، ويضع كفيه على ركبتيه، حتى تطمئن مفاصله، ويستوي، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، ويستوي قائماً، حتى يأخذ كل عظم مأخذه، ثم يقيم صلبه، ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته من السجود حتى تطمئن مفاصله ويستوي، ثم يكبر فيرفع رأسه ويستوي قاعداً على مقعدته، ويقيم صله، وصف الصلاة هكذا حتى فرغ ثم قال: لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك.
قال الحاكم: هذا حديث صحيحٌ على شرط الشيخين، وساقه من طرق.
فبهذا –والله أعلم- احتج الإمام ابن القصّار، ولم يذكر له القبض، مع أنه ذكر له السنن والمندوبات، كيف يصح أن يكون القبض سنةً ولم يعلّمه لهبعد أن علمه السنن و....
وثاني الحديثين: حديث أبي حميد الساعدي الذي أخرجه البخاري في الجامع الصحيح، والنسائي وأبو داود وغيهم، واللفظ لأبي داود: حدثنا مسدد، أنبأنا يحيى، قال: أخبرني محمد بن عمر عن عطاء، سمعتُ أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة، وفي رواية وأبو هريرة ومحمد بن مسلمة وسهل بن سعد ويغرهم يقول: أنا أعلمكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: فلم؟ فوالله ما كنتَ بأكثرنا تبعاً ولا أقدمنا صحبة، قال: قالوا: فأعرض، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بيهما منكبيه، ثم يكبر حتى يقرَّ كل عظمٍ في موضعه معتدلاً، ثم يقرأ، ثم يكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلاً، ثم يركع ويضع راحته على ركبتيه، ثم يعتدل ولا يصبو رأسه ولا يقنع، ثم يرفع رأسه، فيقول: سمع الله لمن حمده ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلاً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى، فيقعد عليهما ويفتح أصابع رجليه إذا سجد، ثم يسجد، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظمٍ إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم يقوم من الركعتين فيكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما كبر عند افتتاح الصلاة، ويصنع ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت الجلسة التي فيها التسلم أخر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الأيسر.
قالوا: صدقتَ، هكذا كان يصلي.
وهذا حديث ابن حنبل، وهو كما ترى حجة واضحة في السدل؛ لأن أبا حميد في مقام الاحتجاج على الصحابة المنكرين عليه أنه أعلمهم وأعلم منهم بصفة صلاته صلى الله عليه وسلم، لكونهم ما سلموا له أول مرة حيث قالوا له: ما كنتَ بأكثرنا له تبعاً، كما جبلت عليه الأقران من التنافس وعدم التسليم للأتراب، إلا لمن وصف لهم صلاته صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستقصاء للسنن والفرائض، ولم يترك منها شيئاً علمه، فقالوا له: صدقتَ، وسلموا له ما ادعاه، لكونهم أخبرهم بما عندهم، فحينئذ لو كان القبض من صفة صلاته صلى الله عليه وسلم لأنكروا عليه قائلين له: يا أبا حميد، تركت أو نسيتَ أخذ الشمال باليمين؛ لأن المقام مقام الاحتجاج، والعادة قاضية بأنهم يناقشون فيه على أقل شيء، فحيث لم يناقشوه في ذلك علمنا أنهم متفقون على ترك القبض في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم كان سادلاً؛ لأن السدل هو الأصل، والأصل لا يُحتاج إلى ذكره، والتمسك به هو الحكم المتفق عليه.
قلت: هذا الحديث صرح فيه بالسدل واضحاً عند كل ذي لب سليم، وهو في قوله: حتى يقر كل عظم في موقعه معتدلاً، ولا شك أن موضع اليدين جنباه، وذلك هو السدل بعينه، وهو دليلنا في الحديث.
فإن قيل: أبو حميد وأصحابه وإن لم يذكروا القبض فقد ذكره غيرهم، فيكون زيادة ثقة، وهي مقبولة عند أهل الفن.
قلنا: المسألة ذات خلاف، وعلى التسليم فشرطها التساوي بين الراويين في الصوف، كما هو مقرر عندهم، وما هنا ليس كذلك؛ لأن أبا حميد وأصحابه لم يخالفهم من هو أعلم منهم، بل لم يخالفهم من طريقٍ ثابتٍ إلا وائل بن حجر الحضرمي، وهو شاسع الدار من أرض حضر موت باليمن، ولم يكن ملازماً له صلى الله عليه وسلم، بل إنما أتاه مرتين، بخلاف أبي حميد وأصحابه، فإنهم لم يفارقوه منذ صاحبوه، فهم أدرى بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم أولاً وآخراً، وهذا من المرجحات عند أهل الأصول والأثر، ولا أعلم في ذلك خلافاً بينهم.
ومن عادة أهل الأثر والنظر إذا جاء حديث صحيح، وجاء شيء آخر مما يعد معارضاً له عندهم التمسوا له شاهداً من حديث آخر ضعيف، أو قراءة شاذة أو قياس جلي، أو غير ذلك، ليكون عاضداً له، وإذا كان لحديثٍ راوٍ واحد، التمسوا له متابعاً، وإن كان ضعيفاً، فقد فعل ذلك الشيخان في صحيحهما، فاستشهد البخاري في الصحيح برواية عبد الكريم بن أبي المخارق وغيره من الضعفاء، ولم يحتج بهم في الأصول، وعبد الكريم ضعيف باتفاق، واستشهد به أيضاً في باب التهجد في صحيحه، فإذا تقرر هذا فقد جاء ما يفسر حديث رفاعة، وحديث أبي حميد وأصحابه، وفيه نص، وهو ما رواه الطبراني في معجمه الكبير من طريق محبوب بن الحسن والخطيب بن جحدر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه قِبَل أذنيه، فإذا كبر أرسلهما، ثم سكت، وفي رواية: وربما أخذ الأولى بالثانية.
فهذا كما ترى نص في النزاع، ومعاذٌ لم يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبوب بن الحسن وثقه ابن معين وأخرج له البخاري في صحيحه، وأما ابن جحدر فهو وإن كان فيه مقال، إلا أنه غير متهم، فصح أن يكون هذا الحديث مفسراً أو عاضداً لحديث رفاعة، وحديث أبي حميد وأصحابه، به يزول الإشكال ويرتفع القيل والقال مما ورد في تلك الأخبار.
وهناك رواية أخرى في الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير عن معاذ بن جبل قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في صلاته رفع يديه قبال أذنيه، فإذا كبَّر أرسلهما، ثم سكت، وربما رأيته يضع يمينه على يساره.
ومن الأحاديث المصرحة بالإرسال ما أخرجه ابن أبي شيبة، عن الحسن وإبراهيم وابن المسيب وابن سيرين وسعيد بن جبير أنهم كانوا يرسلون.
وقال النووي في مجموعه: قال الليث بن سعد: يرسلهما، فإن طال عليه ذلك وضع اليمنى على اليسرى، وقال الأوزاعي: مخير بين الوضع والإرسال اهـ.
قلتُ: كلام الليث صريح في أن القبض عنده ليس من السنة، وإنما هو من باب الاستراحة، وهذا هو عين ما علَّل به مالك كراهيته لما فيه من الاعتماد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه قال حين سئل عن الرجل يمسك بيمينه شماله، فقال: إنما ذلك من أجل الروم.
وروي عن الحسن أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى أحبار بني إسرائيل واضعي أيمانهم على شمائلهم في الصلاة، وهكذا أخرج عن أبي مجلز وأبي عثمان النهدي وأبي الجوزاء اهـ.
وهؤلاءكلهم من كبار التابعين وفيهم الحسن البصري الذي روى أبو داود في حديث وائل بن علقمة عن وائل بن حجر أن محمد جحادة قال: فذكرتُ ذلك للحسن بن أبي الحسن، فقال: هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعله من فعله، وتركه من تركه.
وما نقل عن جميعهم يفهم منه النسخ لأن نسبته لأحبار بني إسرائيل أو الروم، دالٌّ دلالة صريحة على أنه ليس من سنته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يقتدى بأخبار الروم، ولا يأمر بالاقتداء بهم، ولا ينسب إليهم شيئاً من السنة، بل لقد نهى صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم والاقتداء بهم والنظر في كتبهم.
وروى ابن المنذر عن ابن الزبير والحسن البصري والنخعي أنه يرسلهما ولا يضع اليمنى على اليسرى.
وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن إبراهيم قال: سمعتُ عمرو بن دينار قال: كان ابن الزبير إذا صلى يرسل يديه.
ومن الأحاديث الدالة على الإرسال: كل حديث وصفت فيه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وتعرض فيه ذلك لذكر المستحبات، ولم يذكر فيها القبض؛ لأن الإرسال هو الأصل كما لا يخفى، والقبض وصفٌ زائدٌ، فإذا لم يذكر بقي الحالُ على الأصل الذي هو الإرسال.
ومن أدلة الإرسال: ما عليه عمل أهل المدينة.
عمل أهل المدينة مقدم على خبر الآحاد عند مالك، جاعلاً له كالناسخ لما عارضه من خبر الآحاد، وذلك لأن الصحابة رضوان الله عليهم يأخذون بالمتأخر من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن يخفى عليهم المتأخر منها، فإذا وجد مالك رضي الله عنه عمل أهل المدينة المشحونة من التابعين على خلاف ذلك الخبر، عمل بعمل أهل المدينة، وترك الخبر لقرب عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة الذين تلقوا منه الشريعة، وتلقتها منهم التابعون، فلا يمكن التابعين أن يجدوا الصحابة على عمل ويعملوا بخلافه، فعلم أن هذا العمل مستندٌ إلى خبر متأخر ناسخ للخبر الذي قبله، فصار عمل أهل المدينة لهذا المعنى كالمتواتر، والمتواتر مقدمٌ قطعاً على خبر الآحاد.
وعمل أهل المدينة حجة عند مالك رحمه الله، والمقصود بعمل أهل المدينة مقصور على عمل الصحابة والتابعين بالمدينة خاصة؛ لأنهم هم الذين يتوفر فيهم ما مر من نقل خلفهم عن سلفهم ما كان يعمل به صلى الله عليه وسلم ويحصل فيهم شرط التواتر كما مر.
وإذا قال قائل: لم يثبت عندنا عمل أهل المدينة بالإرسال، ومن أين لنا ثبوته؟
فالجواب: أن قول مالك بالإرسال كافٍ في ثبوته؛ لأن القائلين بالقبض يزعمون أنه لا يوجد حديث يدل على الإرسال، مع ما قدمناه من الأحاديث الدالة عليه.
ومما هو دليل أيضاً على أن عمل أهل المدينة على الإرسال، كونه مذهب سعيد بن المسيب، وهو أحد كبار التابعين، وأحد فقهاء المدينة السبعة، أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أفضل التابعين على الإطلاق كما قال الإمام أحمد.
فهذا وحده كافٍ في ثبوت كون عمل أهل المدينة على الإرسال.
ومن أشد العلماء تعصباً للقبض ابن عبد البر، وقد قال في كتابه الكافي الذي ألفه في فقه مالك، وذكر في خطبته أنه اعتمد فيه على عمل أهل المدينة، واقتصر فيه على الأصح عملاً والأوثق نقلاً من ذلك ما نصه: ووضع اليمنى منهما على اليسرى وإرسالهما، كل ذلك سنة في الصلاة.
قلنا: إن آخر الأمرين الإرسال، لما مر بيان ما عليه عمل أهل المدينة.
فمالك لم يترك العمل بالحديث إلا لترك الصحابة القاطنين بالمدينة، ومنهم العشرة المبشرون بالجنة، العمل به، والتابعين لهم، فمالك رحمه الله جعل عمل أهل المدينة على خلاف خبر الآحاد مستنداً إلى ناسخ لذلك الخبر؛ لأن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم إنما يأخذون بالمتأخر من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم.
والإرسال في مذهب الإمام مالك هو المشهور والراجح، وذلك معلوم حتى عند علماء المذاهب الخارجة، فقد قال النووي في شرح مسلم: وعن مالك رحمه الله روايتان: إحداهما يضعهما تحت صدره، والثانية يرسلهما ولا يضع إحداهما على الأخرى، وهذه رواية جمهور أصحابه وهي الأشهر عندهم، اهـ.
وفي فتح الباري لابن حجر العسقلاني: وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال، وصار إليه أكثر أصحابه، اهـ. 
وأما كونه هو الراجح في المذهب، فلأ، الراجح هو ما قوي دليله، وأحديث القبض كلها ضعيفة، وذكرنا أحاديث الإرسال الدالة دلالة صريحة أو التزامية، وأنها سالمة من الطعن الواقع في أحاديث القبض.
ومن تلك الأحاديث الدالة على سنية السدل حديث أبي حميد الساعدي، لصحته الصحة التامة، ودلالته على الإرسال دلالة صريحة.
وقد قال في فتح الباري: إنه أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وأحمد وابن خزيمة، نكرر هنا ذلك الحديث وإن سبق ذكره، ونسوق رواية أبي داود لما فيها الزيادة الدالة على الإرسال صراحة.
ولفظه: قال: حدثنا أحمد، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد (ح)، وحدثنا مسدد، حدثنا يحيى، وهذا حديث أحمد: أنبأنا عبد الحميد، يعني ابن جعفر، أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعتُ أبا حميدٍ الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فَلِمَ؟ فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعاً، ولا أقدمنا له صحبه، قال: بلى، قالوا: فاعرض، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر حتى يقرَّ كل عظم في موضعه معتدلاً، ثم يقرأ ، ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل، فلا يصوب رأسه، ولا يقنع، ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلاً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يهوي إلى الأرض، فيجافي يديه على جنبيه، ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى، فيقعد عليها، حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا قام إلى الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الأيسر، قالوا: صدقت، هكذا كان يصلى صلى الله عليه وسلم، انتهى.
فانظر هذا الحديث الذي رجاله رجال الصحيح، صرح فيه بالسدل في قوله: (إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر حتى يقرَّ كل عظم في موضعه معتدلاً).
قال في فتح الباري: وفي رواية هشيم عن عبد الحميد: ثم يمكث قائماً حتى يقع كل عظم في موقعه، ثم يقرأ، إلى آخره.
فغير خافٍ على عاميٍ، فضلاً عن عالمٍ، أن معنى (يقر) و(يقع) في الروايتين يثبتُ ويستقرُّ في محلِّه، ولا شك أن محل اليدين من الإنسان جنباه، وذلك هو الإرسال بعينه، لا ينازع في ذلك إلا مجنون أو مكابر في المحسوس، انتهى باختصار من كتاب (إبرام النقض لما قيل من أرجحية القبض) بتصرف يسير حسب الحاجة.
وبهذا الحديث الصحيح ختمتُ هذه العجالة المباركة، المختصرة من أقوال الأئمة المجتهدين، حول حكم السدل في الصلاة، فخذها أيها السائل المتعطش جواباً تاماً كافياً شافياً مختصراً.
فكن من أهل التسليم والاعتقاد، ولا تكن من أهل التعصب والانتقاد، فقد عرفت من خلال ما تقدم بإيجاز أن السدل سنَّةٌ ومندوب في الصلاة على مذهب إمامنا مالك، كما ذكره أئمة الفروع الفقهية، كالشيخ خليل وشراحه، وابن عاشر وشراحه وغيرهم، ومستندهم جميعاً هو هذا الحديث المذكور أعلاه المدعوم بما سبق ذكره من الدلائل، وبعمل أهل المدينة الذي اعتمده إمام الأئمة مالك بن أنس رضي الله عنه، فلم يبق للإنسان الذي يريد الحقيقة ويبحث عنها إلا أن يسلم ويستسلم، وينقاد للحقيقة، ويعترف بأن ما ذهب إليه مالك رحمه الله هو الأحوط والأجدر بالاتباع، وأن من صلى بكلتي الحالتين السدل أو القبض فصلاته صحيحة كاملة تامة غير ناقصة، غير أن السدل هو الأفضل والأحسن، وهو الأشهر والأرجح على مذهب الإمام مالك الذي اتبعه المغاربة قاطبة منذ رسوخ الإسلام في هذا الوطن العزيز، وتوحدت به كلمة المغاربة، واجتمع عليه صفهم ورأيهم وإجماعهم منذ دخول المولى إدريس الأول إلى المغرب، حتى ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الفرق التي قلدت المشارقة في كيفية صلاتهم وصيامهم وحجهم، بسبب ما يرون في الحرمين الشريفين أثناء زيارتهم في الحج والعمرة، وبسبب ما يروجه علماء المشرق من الكتيبات المطبوعة المشتملة على ما يخالف المذهب المالكي السائد في الحرمين الشريفين وبلاد الحجاز، قبل تولي الحكام السعوديين واستيلاؤهم على تلك البلاد، ومعلوم أن مذهبهم ودولتهم قامت على أسس المذهب الوهابي، الذي تزعمه محمد بن عبد الوهاب النجدي، الذي أجمع علماء الأقطار الإسلامية بأنه مخالف لجميع المذاهب الإسلامية.
ووصل هذا الداء إلى صفوف شباب المغرب في السنين الأخيرة، حتى استفحل الأمر واتسع الرتق على الراقع، رغم النداءات المتكررة والأوامر المتأكدة من طرف أمير المؤمنين جلالة الحسن الثاني نصره الله، الذي ما فتئ يصرح في كثير من خطبه وتوجيهاته السامية إلى وجوب اتباع المذهب المالكي والمحافظة عليه، والعمل به في مجموع بلاد المغرب، لكن الشباب يستهويه كل جديد، حتى ظنوا أن في الدين جديداً ما يقوم به مروجو الأفكار الوهابية من وسائل التشجيعات والإغراءات المادية والمعنوية، وذلك هوا لسبب فيما يلاحظ في وسط الساحة الاجتماعية من خلافات وصراعات فكرية، حتى يفقد الإنسان في بيته ومسجده مع من يصلي مطمئناً براحة باله، من أجل كثرة التكلفات في الصلاة، من تفريق الرجلين كثيراً، ومجافاة المرفقين حتى يسع المصلي الواحد مساحة صلاة رجلين أو ثلاثة، وكذلك تكرار (قد قامت الصلاة) في الإقامة، والسكتة بعد تكبيرة الإحرام هنيهة قليلة لا تفي حتى لقراءة دعاء الاستفتاح إن كان المقصود قراءته ولو كره عند مالك، وكذلك رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام حتى يقبض بهما أذنيه، وكذلك الجهر بالتأمين جهراً ينافي الخشوع لقوة النطق به، وكذلك رفع اليدين عند تكبيرة الركوع وعند الهوي إلى السجود، وعند القيام من الركعة، وكذلك تقديم الركبتين عند السجود وتأخير وضع الكفين، عكس ما هو عند الإمام مالك، وكذلك تأخير الركبتين في القيام ن السجدة وإحداث جلسة زائدة أثناء ذلك، مثل جلسة الاستراحة بعد الركعة الأولى، وكذلك القيام بتكلف وانحناء الرأس إلى جهة اليمين مما ينافي الاعتدال المطلوب في الصلاة، وكذلك وطء المصلي برؤوس أصابع رجليه على رؤوس أصابع رجلي مصلٍّ آخر بجنبه، ولا أدري من أين لهم بذلك، وكذلك التسليم مرتين، إلى آخر ما أحدثوه في الصلاة، من كل ما يخالف المذهب المالكي.
فهذه الخلافات الفقهية كلها تقلق راحة المصلي، ويفقد فيها خشوعه في الصلاة، وتلك هي نتائج ما يروجه أهل المذاهب المختلفة بين صفوف الشباب الضائع الذي لم يجد من يأخذ بيده ويرشده إلى الصواب لأول وهلة، قبل أن يزرع في أفكاره أهل الأهواء ضلالاتهم وزريعتهم الفاسدة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهناك مسائل خلافية أخرى في أبواب فقهية شتى، سيأتي وقت تبيينها وتوضيحها للقراء إن شاء الله تعالى.
وكتبه على عجل، العبد الضعيف، أعمون مولاي البشير، بن محمد، بن مبارك، الناصري التتنائي، وذلك بتاريخ 5 صفر الخير عام 1419 هجرية، موافق 31 مايو سنة 1998ميلادية، غفر الله ذنبه وستر عيبه، بجاه سيد الأولين والآخرين أجمعين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، والحمد لله رب العالمين. 

***كتبه جلال علي الجهاني منقول عن منتدي الاصليين ***

***فقه الامام مالك بن انس رحمه الله ومذهبه-***
وفي المدونة النص فيها واضح ويجب دراسة السياق الذي يوضح ما كرهه الإمام مالك هو الإعتماد والإتكاء بوضع اليمنى على اليسرى /// للإعتماد والإتكاء وأتمنى ملاحظة النص إذ هو أقوى نص يعتمد عليه القائلون بالسدل 
والنص هو
الِاعْتِمَادُ فِي الصَّلَاةِ وَالِاتِّكَاءُ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ قَالَ : وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي إلَى جَنْبِ حَائِطٍ فَيَتَّكِئُ عَلَى الْحَائِطِ ؟ فَقَالَ : أَمَّا فِي الْمَكْتُوبَةِ فَلَا يُعْجِبُنِي وَأَمَّا فِي النَّافِلَةِ فَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : وَالْعَصَا تَكُونُ فِي يَدِهِ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْحَائِطِ ، قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ شَاءَ اعْتَمَدَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَعْتَمِدْ وَكَانَ لَا يَكْرَهُ الِاعْتِمَادَ ، قَالَ : وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ فَلْيَنْظُرْ أَرْفَقَ ذَلِكَ بِهِ فَيَصْنَعُهُ .
قَالَ : وَقَالَ مَالِكٌ : فِي وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ ؟ قَالَ : لَا أَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ وَكَانَ يَكْرَهُهُ وَلَكِنْ فِي النَّوَافِلِ إذَا طَالَ الْقِيَامُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ يُعِينُ بِهِ نَفْسَهُ ، قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُمْ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ .
***********
نص رسالة العلامة التنواجيوي الشنقيطي الأشعري المالكي: 
((فتح ذي المنة برجحان السدل من السنة))
والمؤلف هو سليل العترة النبوية والدوحة المصطفوية العلامة محمد المحفوظ بن محمد الأمين التنواجيوي الشنقيطي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
فقد سألني بعض الأخوان المتمسكين بالسنة على منهاج سلف الأمة عن حكم القبض في الصلاة الذي روي عن الإمام مالك كراهيته في الفرض، وقد شذّ رجال من أتباع المذهب المالكي فادعوا ندبه، مخالفةً منهم لما عليه جمهور علماء المذهب قديماً وحديثاً، وقد كنت أجبته بجواب قديم معضد فيه الفرع بالأصل على صحة ما نقل فيه من الكراهة ولكنه مختصر، وقد يظن أنه لم يحصر جوانب المسألة، وبعد ذلك وجدت عدة تآليف من علماء المذهب المالكي المهرة في علم الحديث وقد حصروا الأدلة التي يتذرع بها القائلون بالندب من علماء المذهب وبينوا ضعف جميعها، مع كثرتها ومع ثبوت الوقوع من دلالة مجموعها على وجه لم يصل درجة الصحة، ولكنهم بينوا نسخ حكم القبض وأوضحوا الأصل الذي بني عليه من سلوكه صلى الله عليه وسلم وأوضحوا رجحان السدل من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومن الآثار المنقولة عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين.
وسوف أحاول في هذه النبذة أن ألخص ما نشره أولئك الأجلاء وأرتبه ترتيباً يقرب فهمه للمبتدئين من طلبة الفقه في بلاد المغرب التي تتبع الشعوب فيها مذهب الإمام مالك، وليفهم ضعفاء المعرفة من أبناء هذه البلاد الذين جرفتهم دعاية القول بصحة الاجتهاد من العوام وإمكان استنباطهم من الكتاب والسنة للأحكام مع جهلهم المركب تركيباً تاماً ملبساً على أصحابه تلبيساً لا يزول إلا باستكمال معرفة علوم الشرع الاثني عشرة وع علوم الشريعة الثلاثة ليفهم هؤلاء صحة علم الأقدمين.
وسنرتب هذه النبذة بحول الله على مقدمة وبابين وخاتمة، أما المقدمة فسنتناول فيها الدواعي التي دعت النبي صلى الله عليه وسلم لفعل القبض - على افتراض ثبوته عنه - وهي الموافقة لأهل الكتاب فيه وأدلة ذلك، والباب الأول سنتناول فيه أدلة السدل من الأحاديث النبوية والآثار، والباب الثاني سنتناول فيه حصر أدلة القبض لليدين من السنة مع ما قيل في كل دليل منها من الضعف عند علماء السلف، أما الخاتمة فستكون إعطاء رأي شامل واضح حول ما تقدم من المسائل، والله المعين على الصواب.


مــقــدمــة

يقول علماء الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه شيء، وذلك قبل انتشار الإسلام ويرجع عن موافقتهم فيه بعد اتساع نشر الإسلام.
لقد نقل العلامة محمد الخضر بن ما يابا في كتابه (إبرام النقض) أن البخاري ومسلماً وأبا داود والترمذي والنسائي وابن ماجه قد أخرجوا جميعاً كونه صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه شيء، وبعد انتشار الإسلام يترك ذلك، وذلك لكون أهل الكتاب كانوا على شيء أولاً، أما المجوس فليسوا على شيء، ولعل فعله كان لحكمة يعلمها هو، ومن المسائل التي روي عنه ذلك فيها مسألة عدم فرْق شعر الناصية ثم فرق شعره أخيراً، ومنها على رأي بعض العلماء مسألتنا هذه، وشهد لكونها من ذلك ما نقله ابن أبي شيبة المعروف من علماء الحديث بكثرة مؤلفاته فيه وجمعه في مساند ومصنفات، فقد نقل ابن أبي شيبة عن ابن سيرين - التابعي الشهير - أنه سئل عن الرجل يمسك يمينه بشماله في الصلاة فقال: إنما ذلك من أجل الروم. أهـ. ونقل عن الحسن البصري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كأني أنظر إلى أحبار بني إسرائيل واضعي أيمانهم على شمائلهم في الصلاة) وتابع الحسن البصري في هذا الحديث أبو مجلز وأبو عثمان النهدي وأبو الجوزاء وكلهم من أكبر علماء التابعين.
وكون القبض كان من عمل أحبار اليهود ومن عمل الروم المسيحيين كما ذكر في الآثار السابقة، يشهد له كذلك ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من قوله (إنما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت، ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة) الحديث بالمعنى، ومثله ما أخرجه البيهقي والدار قطني عن عائشة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث من النبوة، تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليد اليمنى على الشمال) ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد فترة من حياته في المدينة عن اتباع أهل الكتاب والأخذ منهم، وغضب على عمر بن الخطاب عندما جاء بصحيفة فيها شيء من مواعظ أهل الكتاب وأحكامهم، وقال إن موسى عليه السلام لو كان حياً لاتبعه، وإذا ثبت عن الصحاح الستة أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب أولاً موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه شيء فيه وثبت كون القبض من عمل أهل الكتاب فهذا مما يوضح سبب فعله صلى الله عليه وسلم له وسبب ثبوت تركه له كما يأتي.



الباب الأول 
في بعض أدلة السنة لسدل اليدين 
أدلة سدل اليدين في الصلاة متعددة، وسنورد لعضها على سبيل الاختصار، فمهنا:
(1) حديث الطبراني في الكبير ولفظه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في صلاته رفع يديه قبال أذنيه فإذا كبر أرسلها)*1* أهـ. المراد منه، وهو يوافق معناه ما جاء في حديث أبي حميد الساعدي الآتي، انظر كتاب إبرام النقض لابن ما يابا ص (32).
(2) ومن الأدلة للسدل كذلك حديث أبي حميد الساعدي الذي أخرجه البخاري وأبو داود، وهو في سنن أبي داود من طريق أحمد بن حنبل قال: اجتمع أبو حميد مع نحو عشرة من الصحابة من بينهم سهل بن سعد، فذكروا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: ولم، فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعاً ولا أقدمنا له صحبة، قال: بلى، قالوا: فاعرض، قال: كان إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلاً ثم يقرأ ثم يكبر فيركع)*2* أهـ. المراد منه، ولما فرغ قالوا له صدقت، ومعلوم أن موضع اليدين من الإنسان القائم جنباه لا صدره، وسهل بن سعد راوي حديث (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على اليسرى) بين الحاضرين، ولو لم يكن يعلم أن الحديث ترك العمل به لقال له تركت وضع اليد على اليد، وهو إنما قال له صدقت، انظر سنن أبي داود ج1 ص (194) وإبرام النقض لابن ما يابا، محمد الخضر ص (18 - 32). ولأبي حميد رواية أخرى في نعت كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم بالفعل ترك فيها اليدين حتى استقرتا في موضعهما، وهذه الرواية الفعلية التي ذكرها الطحاوي وابن حبان ونقلها ابن ما يابا في إبرام النقض ص (27).
(3) ومن أدلته أيضاً ما نقل عن الحافظ ابن عبدالبر في كتاب العلم أنه قال: (لقد نقل مالك حديث السدل عن عبدالله بن الحسن) أهـ.*3* أنظر إبرام النقض ص (39).
(4) ومنها ما روي من كون العلماء قد أثبتوا كون عبدالله بن الزبير كان لا يقبض ولا يرى أحداً قابضاً إلا فك يديه، وقد نقل الخطيب في تاريخ بغداد كون عبدالله بن الزبير أخذ صفة الصلاة من جده أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهذا يظهر منه على هذا القول كون أبي بكر رضي الله عنه كان لا يقبض، أنظر إبرام النقض ص (38) وكتاب القول الفصل ص (24)، وهذه الرواية عن عمله، وروى عنه علمه بوقوع القبض، والظاهر تأخر العمل*4*.
(5) ومنها ما نقله ابن أبي شيبة عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي وسعيد بن المسيب وابن سيرين وسعيد بن جبير، فقال إنهما كانوا لا يقبضون في الصلاة، وهم من كبار التابعين الآخذين عن الصحابة رضي الله عنهم ومعترف لهم بالعلم والورع، انظر إبرام النقض ص (33). ومثلهم أبو مجلز وعثمان النهدي وأبو الجوزاء، فقد نقل هؤلاء أن القبض خاص بأحبار اليهود وبالمسيحيين، فقد سئل ابن سيرين عن وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة فقال: إنما ذلك من أجل الروم، وقال الحسن البصري: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كأني أنظر إلى أحبار اليهود واضعي أيمانهم على شمائلهم في الصلاة).*5* المرجع السابق ص (34) نقلاً عن ابن أبي شيبة.
(6) ومن الأدلة أيضاً كون السدل قال العلماء إنه إما ندب أو مباح، وحين حاول أحد علماء الشافعية أن يقول إنه مكروه رد عليه الآخرون بأن الإمام الشافعي في الأم قال إنه لا بأس به لمن لا يعبث بيديه في الصلاة. وأما القبض ففيه مع قول الندب قول بالكراهة وقول بالمنع، فصار من الشبه التي يطلب تركها بالحديث المتفق عليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات..) الحديث، وحرمته نقلها محمد السنوسي في كتابه (شفاء الصدر باري المسائل العشر) وكذلك نقلها الحطاب وغيره عند الكلام على القبض في الصلاة*6*.
(7) ومن الأدلة أيضاً حديث المسيء صلاته الذي ذكرته رواية الحاكم عنه، وهي على شرط الشيخين، وفيها فروض الصلاة ومندوباتها ولم يذكر فيها القبض، ولفظه - بعد أن طلب المسيء صلاته أن يُعلَّم - قال له النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلزمه الطهارة، ثم يكبر فيحمد الله ويمجده ويقرأ من القرآن ما أذن الله فيه، ثم يكبر فيركع ويضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله ويستوي، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، ويستوي قائماً حتى يأخذ كل عظم مأخذه، ثم يقيم صلبه ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته من السجود حتى تطمئن مفاصله، ويستوي ثم يكبر فيرفع رأسه ويستوي قاعداً على مقعدته ويقيم صلبه، وصفَ الصلاة هكذا حتى فرغ ثم قال: (لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك) فرواية هذا الحديث من طريق الحاكم مصرحة بانحصار ما يفعل في الصلاة من الفروض والمندوبات ولم تذكر القبض، وقد قال ابن القصار وغيره إن هذا من أوضح الأدلة على عدم طلب القبض في الصلاة، انظر (القول الفصل) للشيخ عابد المكي ص (9) - وهو مفتي المالكية بمكة قديماً - طبعة أبي ظبي*7*.
 (8) ومن الأحاديث المماثلة له في الدلالة على عدم ذكر القبض بين مندوبات الصلاة ما أخرجه أبو داود وصححه عن سالم البراد قال: أتينا عقبة بن عامر فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام في المسجد فكبر، فلما ركع وضع يديه على ركبتيه وجعل أصابعه أسفل من ذلك وجافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، فقام حتى استقر كل شيء منه، ثم كبر وسجد ووضع كفيه على الأرض ثم جافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه، ثم كبر ورافع رأسه فجلس حتى استقر كل شيء، ففعل ذلك أيضاً، ثم صلى أربع ركعات مثل هذه الركعة، ثم قال: هكذا رأيناه صلى الله عليه وسلم يصلي*8*، فهذا حصر عند العلماء لم يبق بعده شيء دال على طلب القبض بصفته مندوباً لأن المندوبات جاءت بالتمام، فهو دال على أن آخر عمله صلى الله عليه وسلم تركه للقبض إن صح فعله له.
(9) ومن الأدلة كذلك حديث النهي عن الاكتتاف في الصلاة، والقبض عندهم هو الاكتتاف، كما ورد في كتاب القول الفصل ص (35)، والحديث أخرجه الإمام مسلم، ولفظه هو أن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال لمن رآه يصلي ضافراً رأسه: ر تفعل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن مثل هذا كمثل من يصلي وهو مكتوف) *9*.أهـ. من تيسير الوصول الجامع الأصول ج2 ص (243).
(01) ومن الأدلة كذلك كون السدل هو الأصل في بني البشر، واستصحاب الأصل قاعدة متبعة عند جل علماء الأمة حتى يصرف عنها دليل غير معارض بما هو أقوى منه، ومثل استصحاب الأصل البراءة الأصلية، قال في مرتقى الأصول:
ونوع الاستصحاب ما أبانا **** إبقاء ما كان على ما كانا
ومثله البراءة الأصليه **** وهي البقاء على انتفا الحكميه
حتى يدلنا دليل شرعا **** على خلاف الحكم فيهما معا
انظر شرح محمد يحيى الولاتي على مرتقى الأصول ص (315) وما بعدها، وهذه القاعدة هي التي جعلت المدعي بمال - مثلاً - لا يلزمه شيء استصحاباً لأصل البراءة حتى يشهد عليه عدلان، قال صلى الله عليه وسلم: (شاهداك أو يمينه)*10*.
(11) ومن الأدلة أيضاً كون الإمام أحمد قد أخرج في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخر الأمر عنده النهي عن موافقة أهل الكتاب، وهذا بعد أن كان يحب موافقتهم فيما لم ينزل عليه شيء فيه، وقبضُ اليدين من عمل أهل الكتاب كما نقله ابن أبي شيبة عن الحسن البصري وابن سيرين من الأئمة كما قدمنا، انظر (إبرام النقض لما قيل من أرجحية القبض) للشيخ محمد الخضر بن ما يابا الشنقيطي ص (33) وما بعدها*11*. فهذا من الأدلة كاف لصحة ما نقل في المدونة من كراهية القبض لليدين في الصلاة.

الباب الثاني 
في ذكر أحاديث القبض وذكر ضعف جميعها 

(1) فمنها الحديث الذي أخرجه موطأ الإمام مالك عن عبدالكريم بن أبي المخارق البصري، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة) فعبدالكريم راوي الحديث متروك، قال النسائي: لم يرو مالك رضي الله عنه عن ضعيف إلا ابن أبي المخارق فإنه منكر الحديث، وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب طبعة دار المعرفة - بيروت - ص (516) ج1 قال عنه إنه ضعيف لا يحتج به.
(2) الحديث الذي أخرجه البخاري وأعلَّه، وقد رواه القعنبي عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد أنه قال (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة) قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمى ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم) ثم قال البخاري: قال ابن أبي أويس "ينمى" ولم يقل "ينمي" أهـ. فهذا الحديث أعله البخاري بأنه مركب للمجهول، وعليه يكون موقوفاً لا مرفوعاً، وقال الداني: إن رواية (ينمي) بفتح الياء وهم من أبي حازم، انظر شرح الزرقاني للموطأ ج3 ص (311). وقال ابن عبدالبر في التقصي إنه موقوف، ونقل عن الملا القاري أن الأمر المذكور يحتمل أن يكون الخلفاء أو الأمراء، أهـ. انظر إبرام النقض ص (7) وما بعدها.
(3) ومن أدلته كذلك ما أخرجه البيهقي عن ابن أبي شيبة عن عبدالرحمن بن إسحاق الواسطي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة) أهـ، قال النووي في شرحه لمسلم: عبدالرحمن الواسطي ضعيف باتفاق علماء الحديث، انظر إبرام النقض ص (13)، وقال محمود العيني: إن إسناده للنبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح، انظر كتاب القول الفصل للشيخ محمد عابد المكي ص (7)، وأيضاً عبدالرحمن الواسطي ناقل له عن زياد بن زيد السوائي، وهو مجهول نقله جهله التقريب ج1 ص (267).
(4) ومنها ما أخرجه أبو داود عن الحجاج بن أبي زينب قال: سمعت أبا عثمان يحدث عن عبدالله بن مسعود أنه قال: (رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعت شمالي على يميني فأخذ بشمالي فوضعها على يميني)اهـ. وهذا الحديث قال الشوكاني إنه ضعيف، والشوكاني من أهل القبض فلا يتهم، ومدار الحديث على الحجاج بن أبي زينب وليس له متابع، والحجاج هذا قال ابن المديني إنه من الضعفاء، وقال النسائي إنه ليس بالقوي، وقال ابن حجر في ج1 ص (153) من تهذيب التهذيب إنه قد يخطئ، وفي سنده أيضاً عبدالرحمن بن إسحاق الكوفي، وذلك قال النووي إنه ضعيف باتفاق، انظر القول الفصل لابن عابد ص (8).
(5) ومنها حديث (إنا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل الإفطار وتأخير السحور، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) فنقل كتاب إبرام النقض عن البيهقي أنه تفرد به عبدالحميد المعروف بطلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس، وطلحة هذا قال ابن حجر في تهذيب التهذيب إنه متروك الحديث ج1 ص (339)، ونقل عن يحيى بن معين والبخاري أنه ليس بشيء، انظر إبرام النقض ص (14).
(6) ومنها ما أخرجه البيهقي في قوله سبحانه ((فصل لربك وانحر)) من أنه روي عن روح بن المسيب عن عمر بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس أنه قال: (وضع اليمنى على الشمال في الصلاة) وروح هذا قال فيه ابن حبان إنه يروي الموضوعات ولا تحل الرواية عنه، وراويه الثاني عمرو بن مالك قال فيه ابن حجر في ج1 ص (77) إنه له أوهام، ونقل في إبرام النقض عن ابن عدي أنه منكر الحديث وأنه يسرق الحديث، وضعفه أيضاً أبو يعلى الموصلي، فهذا الحديث في غاية الضعف، انظر إبرام النقض ص (15).
(7) ومنها ما أخرجه ولم يعلق عليه عن زهير بن حرب عن عفان عن همام عن محمد بن جحادة عن عبدالجبار بن وائل عن علقمة بن وائل عن أبيه وائل بن حجر (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة فصفهما حيال أذنيه ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى) أهـ. قال صاحب إبرام النقض: هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه: أولها: كون علقمة بن وائل الراوي للحديث عن أبيه لم يبلغ معه سن الرواية عنه، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: إن علقمة بن وائل لم يسمع من أبيه. انظر ج2 ص(35)، والإعلال الثاني : يأتي في روايات للحديث من طريق أبي داود، وفيها اضطراب كثير في السند، من أراده فليراجع كتاب إبرام النقض ص (6). والإعلال الثالث لهذا الحديث آت إليه من جهة المتن أيضاً، وفي روايات الحديث المتكررة في أبي داود قال: إنه نقل عن وائل روايتين في رجوعه الثاني لن ينقل القبض في واحدة منهما، وفيه أنه روي عنه من طريق كليب بلفظه السابق وزاد فيه زيادة مختلفة ألفاظها فقال: (ثم جئت بعد ذلك في زمن فيه برد شديد فرأيت الناس تتحرك أيديهم تحت الثياب) أهـ. قال ابن مايابا: وهذه الزيادة إذا ما قبلت فإنها تجعل آخر الحديث ناسخاً لأوله، لأن الأيدي المقبوضة لا تتحرك ولا يسمى تحريكها تحركاً في عرف الكلام، وعاصم بن كليب صاحب هذه الرواية كان مرجئاً، وقال عنه ابن المديني إنه لا يحتج به عند انفراده، انظر القول الفصل للشيخ محمد عابد المكي ص(4).
(8) ومما يحتجون به للقبض أيضاً ما أخرجه البيهقي من رواية يحيى بن أبي طالب عن ابن الزبير أنه قال: (أمرني عطاء أن أسأل سعيد بن جبير أين تكون اليدان في الصلاة، فقال له : فوق السرة)اهـ. قال البيهقي: هذا أصح أثر روي في هذا الباء، قال ابن مايابا: وهذا عجيب، فيحيى بن أبي طالب - راوي الأثر - قال موسى بم هارون إنه يشهد على كذبه في كلامه، ونقل عن أبي داود أنه خط على جميع ما كان مسجلاً عنده من روايته، فبان ضعفه. انظر القول الفصل للمكي ص (7).
(9) ومن أدلتهم ما رواه البيهقي أيضاً من رواية شجاع بن مخلد عن هشيم عن محمد بن أبان عن عائشة أنها قالت: (ثلاث من النبوة، تعجيل الإفطار وتأخير السحور، ووضع اليد اليمنى على اليسرى)اهـ. فمحمد بن أبان نقل الذهبي في الميزان عن البخاري أنه قال إنه لا يعرف له سماع من عائشة، وشجاع بن مخلد الذي نقل عنه البيهقي الحديث قال ابن حجر في تهذيب التهذيب إن العقيلي ذكره في الضعفاء، انظر تهذيب التهذيب ج1 ص(347) وبهذا تحقق ضعفه.
(01) ومن أدلتهم ما رواه الدار قطني من طريق عبدالرحمن بن إسحق عن الحجاج بن أبي زينب عن أبي سفيان عن جابر قال: (مر صلى الله عليه وسلم على رجل يصلي واضع شماله على يمينه، فأخذ بيمينه فوضعها على شماله) وهذا في سنده عبدالرحمن بن إسحق، وقد تقدم خبره في الكلام في الكلام على الحديث الرابع، فقد قال عنه النووي في شرحه لمسلم إنه ضعيف باتفاق، وفي سند هذا الحديث أيضاً الحجاج بن أبي زينب، وذلك قد تقدم خبر ضعفه في الكلام على الحديث الرابع، فقد قال فيه المديني إنه من الضعفاء، وقال النسائي إنه ليس من الأقوياء، وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب إنه يخطئ ج1 ص(159)، وفي سنده كذلك أبو سفيان وهو طلحة بن نافع الواسطي، وقد قال المديني إن علماء الحديث كانوا يضعفونه، وسئل عنه ابن معين فقال إنه كلا شيء، انظر إبرام النقض ص(14) وتقريب التهذيب ص (339) من ج1.

11) ومنها حديث هلب الطائي الذي أخرجه الدار قطني عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمنيه)أهـ. وسماك بن حرب الذي في السند قال فيه أحمد بن حنبل إنه مضطرب الحديث وضعفه شعبة وسفيان، وقال النسائي إنه إذا انفرد بأصل لم يكن حجة، وهذا الحديث يقول الشيخ عابد إنه انفرد به، وفيه أيضاً قبيصة بن هلب، وقد قال في التهذيب إنه مجهول، وهذا الحديث مع ذلك قال فيه الترمذي إنه منقطع، انظر كتاب القول الفصل ص(6).

وقد تم ما أردنا جمعه ولم يبق بعده شيء يعتد به، والقصد عندنا من جهة هو تعليم الأخوة الطلاب وتوسيع معارفهم وتعويدهم على بحث الأحاديث وقول علماء الحديث في ذلك قبل الاعتماد عليها والاستدلال بها على إثبات حكم من الأحكام.


خـــــاتمـــــة 
بعدما تبين من رجحان أدلة السدل من السنة واشتهار العمل به في المذهب المالكي، ذلك الاشتهار الذي سجلت الشهادات عليه من جميع علماء المذاهب الأخرى، فإننا ننبه على الجميع على أن علماء المذاهب الأربعة لم ينقل عنهم قول بكراهة السدل في الصلاة، وإنما هو دائر عندهم بين الإباحة والندب بخلاف القبض، فإن فيه قولاً بالكراهة وقولاً بالمنع معترفاً بهما بجانب القول بندبه والقول بإباحته، وعليه فإن الحديث المتفق عليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات..الخ) هذا الحديث يظهر كون القبض من المشتبهات التي من تَرَكها فقد استبرأ لدينه وعرضه، لأن القبض فيه شبهة التحريم بجانب شبهة الندب والطلب، وقد أوضح ذلك العلامة محمد السنوسي في كتابه شفاء الصدر باري المسائل العشر).

وإذا زدنا على ذلك كونه نقل عن الإمام الشافعي أنه قال إن القصد من وضع اليمنى على اليسرى هو تسكينهما عن العبث وأن المصلي الذي لا يعبث بهما في الإرسال فليس مطلوباً منه وضع إحداهما على الأخرى. اهـ. فهذا يظهر منه أنه لا يرى القبض من السنة لترك العبث بالأيدي.

ونورد أيضاً كون ابن رجب قد ذكر في شرحه للبخاري أن ابن المبارك ذكر في كتاب الزهد عن مهاجر النهال أنه ذكر عنده القبض في الصلاة فقال: ما أحسن ذلاً بين يدي عز، وحكي مثل ذلك عن الإمام أحمد بن حنبل، وهذا يظهر كون أحمد لم يعمل به كالشافعي، فإنه يراه هيئة خشوع عند من فعله، والخشوع المصطنع من أسباب كراهيته في المذهب المالكي، فانظر ولما في الخاتمة من كتاب القول الفصل للشيخ محمد عابد المكي، انتهى ما أردنا جمعه من المسائل التي توضح رجحان السدل في الصلاة والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وجامعه هو عبد ربه وأسير ذنبه محمد المحفوظ بن محمد الأمين بن اُبَّ التَّنْواجيوي الشنقيطي تاب الله عليه وعلى والديه وعلى جميع المسلمين.

الهـــوامــش 

1 - يصححه موافقة معناه لحديث أبي حميد الساعدي الذي أخرجه البخاري وأبو داود.
2 - حديث أبي حميد الساعدي على شرط الصحة عند أبي داود وعند البخاري.
3 - نقل مالك رضي الله عنه حديث السدل عن عبدالله بن الحسن عهدته على ابن عبد البر وهو حافظ، وشرطه للصحة يعد في الدرجة الرابعة عند علماء مصطلح الحديث.
4 - مروي عن ابن أبي شيبة والخطيب البغدادي ناقل عن أحمد بن حنبل، فالمرجع والاعتماد على أحمد، ونقله عن أحمد أوضحه ابن ما يابا والشيخ عابد في نظرهما.
5 - أثر ابن سيرين وحديث الحسن البصري مرسلان، والمرسل حجة عند الإمام مالك وأبي حنيفة، وهو القول المصحح عند أحمد، لأن التابعي حذف الصحابي وهو عدل، انظر جامع التحصيل في أحكام المراسيل للحافظ صلاح الدين ص (29).
6 - تعارض الحرمة مع الندب شبهة باتفاق العلماء لحديث (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات..) الحديث، اتفق عليه البخاري ومسلم، انظر زاد المسلم ج1 ص (176).
7 - حديث المسيء صلاته رواية الحاكم له جاءت على شرط البخاري ومسلم، وتلك هي الدرجة الرابعة في الصحة، وهي أعلم من صحة ما صححه أصحاب السنن، انظر طلعة الأنوار نصاً.
8 - حديث صفة الصلاة المنقول عن أبي داود من طريق سالم البراد فقد صححه أبو داود.
9 - حديث ابن عباس في الاكتتاف صحيح أيضاً على شرط أبي داود ونصه في ج1 ص (174) كما أنه أخرجه الإمام مسلم.
10 - ومسألة الاستصحاب من قواعد الأصول التي يستدل بها مالك وغيره، قال المحجوبي ناظم أدلة مذهب مالك:
وحجة لديه الاستصحاب **** ورأيه في ذاك لا يعاب
واعتمادهم على مجموعة عدة آيات عدة أحاديث.
11 - الحديث الذي نقل الإمام أحمد اتفق عليه البخاري ومسلم في جانب حبه لموافقتهم ونهيه عنها أخرجه أحمد وغيره آخر الأمر، إبرام النقض ص (34،35 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق